دائما عند الحديث عن النظام الاسلامي و الدولة الاسلامية تطرح تساؤلات عديدة حول المقصود بالدولة الاسلامية و ما هي الصورة التي نقصدها و هل سيكون هناك خلافة اسلامية ام لا و ما هو شكل او نظام هذه الخلافة...في البداية اود التوضيح ان النظام الاسلامي كدولة يستمد مبادئه الرئيسية من دولة المدينة في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام حيث وضع اول دستور ينظم العلاقة بين اهل المدينة مسلميها و غير مسلميها .
و استنادا إلى القرأن الكريم الذي يعد المصدر الرئيسي للتشريع و كذلك احاديث و سنة الرسول عليه الصلاة و السلام تكونت الدولة الاسلامية....قد يقول البعض ان هذه الدولة افتقرت إلى احد مكونات الدولة وهو الشرطة و الجهاز الاعلامي و إلى اخره فنقول ان هذا الكلام ينقصه الدقة فوجود الرسول عليه الصلاة و السلام في المدينة كان مصدرا للعدل و التوثيق و الامان و لارساء مجموعة من الثوابت العقائدية في اهل المدينة و كان اهل المدينة جميعا يأتمرون بامره عن إيمان و بالتالي حينما يجمع الشعب على شيء يصبح هو نفسه السلطة التنفيذية (الشرطة) بمعنى ان كل من له شكاية تنتهي برأي الرسول الذي هو بدوره يحكم بما انزل الله و يقوم الشعب بتنفيذ ما أمر به فورا ...و ذلك لإيمان اهل المدينة بالرسول صلي الله عليه .بينما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم بدأ الناس يضعف إيمانهم و ظهرت فئات من الناس ضعف إيمانها و ظهر مع ذلك ما يمكن ان نقول انه يستوجب اقامة الحدود و الحفاظ على الامان فظهرت فرق العسس الليلية.اما بالنسبة للجهاز الاعلامي مثلا فقد كان المسجد الذي يناقش بداخله امور الدنيا و الدين هو الجهاز الاعلامي الأول في الدولة فبداخل المسجد تناقش الأمور الدينية و الدنيوية.
نستخلص من هنا نقطة هامة وهي ان الرسول عليه الصلاة و السلام وضع قواعد عامة للدولة الاسلامية دون ان يخصص هيكلا ثابتا (اسلوب الادارة) لها.
و الان نتكلم حول ما هي الدولة الاسلامية...الدولة الاسلامية هي دولة تحكم بما انزل الله تستند إلى القرأن الكريم و السنة الشريفة و اسس التشريع المتفق عليها فقهيا ....هي دولة تتيح حرية التملك اقتصاديا و لكنها تمنع الاحتكار و تفرض الزكاة .هي دولة اساسها الشورى و تحتوي اختلاف الاراء..هي دولة دعوة و جهاد ضد الظلم في اي مكان و كل وقت ...هي دولة تعتبر العلم فريضة واجبة على كل مسلم...هي دولة تنادي بالمساواة و التكافل الإجتماعي فلا ينام المسلم و جاره جائع .
حسننا هذه هي الدولة الاسلامية ولكن ما هي صورة الحكم في هذه الدولة هل هي بنظام الخلافة و هل ستكون السلطة متمركزة في يد شخص واحد ام ماذا ؟ في البداية احب ان اتكلم عن مفهوم الخلافة ...فالخلافة تعني خلافة الانسان لله في ارضه ....و ان الله سبحانه و تعالى قد استخلف الانسان في هذه الارض ليعمرها ....و بالتالي حينما نشأت الدولة الاسلامية و بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم دون ان يحدد من يتولى امر المسلمين وهو من كان يوحى اليه مباشرة من الله سبحانه و تعالى وجب على المسلمين البحث عن من يخلف رسول الله في ادارة شؤنهم على نهج الرسول و يكون هوخليفة الله و رسوله و بالشورى اختير ابو بكر الصديق ليكون اول خليفة يمثل المسلمين و يدير شؤنهم .....مما سبق يتضح ان اختيار الخليفة هو بالشورى و ليس بالميراث و الا لأوصى الرسول بمن يخلفه من بعده. و بالتالي يتضح لنا ان النموذج الصحيح للخلافة الاسلامية يعتمد على شيئين هامين و هما :
2- الاطار العام للدولة متروك لما يواكب العصر.
و بالتالي من الممكن التأكيد على ان تمركز السلطة في يد شخص ما مهما كان هذا الشخص هو مخالف للشرع فالاية الكريمة تصف المسلمون بانهم "و امرهم شورى بينهم" و لعلنا ندرك انه قد يحدث بعض الالتباس فللاسف بعد بدء بنو امية و من بعدهم بنو العباس في توريث الخلافة انتهت صورة الشورى و هي الصورة الصحيحة للخلافة حيث يجتمع فقهاء الامة لاختيار من يمثل هذه الدولة .
واما بالنسبة ان الاسلام قد ترك الاطار العام للدولة لما يواكب العصر فنجد انه لم يضع صورة واحدة للحكم و لكن وضع اسس عامة و مباديء للدولة الاسلامية في اي وقت و اي مكان و ترك لابناء كل عصر الصورة التي تلائمه وفقا لهذه المباديء العامة. من هنا نقول ان الدولة الاسلامية بمفهوم الخلافة اي تمركز السلطة في شخص معين يسانده مجلس للشورى يضم تحت يده كل البلاد الاسلامية كانت صورة ملائمة لوقت و لا تلائم كل الاوقات و هي فعلا لا تلائم الوقت الحالي فالصورة السابقة كانت الصورة للعصر الامبراطوري الذي وجدت فيه الامبراطورية الرومانية و الفارسية فكان متوقعا ان تولد الامبراطورية الاسلامية بنفس التصور و إن اختلفت بمبدأ الشورى ...اما في العصر الحديث و مع اختلاف النظام السياسي للدول فقد تكون الخلافة الاسلامية عبارة عن دولة كونفيدرالية مثلا و تظل كل منها قائمة بذاتها و لكن هناك تحالف عام بينها و يجمعها مواثيق الشريعة الاسلامية و مباديء الجهاد و هي الصورة السائدة حاليا كالاتحاد الاوروبي ...من الممكن ايضا ان ننفي كل ما يقال على ان النظام الاسلامي يحجر على العقل و يمنع التفكير و هذا في رايي كلام ضعيف جدا فالعلوم عموما من علوم كلامية كالفلسفة و المنطق و علوم عقلية كالكيمياء و الجبر وا لفيزياء و الطب و الفلك برع فيها العلماء المسلمين و وضعت قواعدها العامة في دولة الخلافة الاسلامية لاننا كما قلنا ان الاسلام يضع العلم و طلبه في مرتبة الفريضة ...لذا فنحن عندما ننادي بالدولة الاسلامية فلنا اسبابنا و اجتهاداتنا التي نراها مناسبة لارساء قواعد التقدم الاقتصادي و الديموقراطي..