
السلام عليكم
لقد كتبت هذا الموضوع فى هذا الوقت بالرغم ما بداخلى من الافكار الاخرى التى اود كتابتها لاسباب كثيره , منها ان داعية اسلامى عملوا له قضية فى امن الدوله لانه قال كلمة حق , هذا من جانب و من جانب اخر ان يوجد من الناس من يقولون كلمة الحق لا لانها كلمة حق و لكن لتطلع الى السلطة و الثروة و بالتالى يتحول من كلمة الحق الى كلمات تدعو الى رفع السلاح , و هذا غير مطلوب مننا , غير مطلوب مننا ان نرفع السلاح فى وجه الحكام , فان كنا نطالب بكلمة الحق فنحن نطالب بها لاعلاء كلمتى الحق و الدين , فكلمة الحق المطلوبه ليست معاداة لحكم بعينه او شخص بعينه و الدليل على ذلك مثلا , ان لو الحكام اتغيروا و ربنا هداهم و قالوا خلاص احنا فعلا هنعمل بما اراد الله و سننشر العدل و الامان و سنحارب الفساد و نقضى عليه , هل سنظل ايضا نحاربهم , لا بالطبع , لاننا ليس همنا محاربة السطة للوصول اليها , و ليس همنا اشخاص باعينهم , لذا احببت ان اكتب فى هذا الموضوع كى نفرق بين لغة الحق و لغة الحرب , و خير مثال وجده للكتابة فى هذا الموضوع هو زعيم المعارضة و الثروات , انه " أبو ذر " , فدعونا نعيش مع قصته من وحى كتاب رجال حول الرسول:
عندما اسلم " ابو ذر" سأله النبى :ممن أنت يا أخا العرب ؟, فأجابه : من غفار , فيقول " أبو ذر" :" ان النبى صلى الله عليه وسلم جعل يرفع بصره و يصوبه تعجبا , لما كان من غفار" , ثم قال : ان الله يهدى من يشاء , و ذلك لان قبيلة غفار اهلها مضرب المثل فى السطو غير المشروع .. و الويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار , لذا قال النبى صلى الله عليه وسلم مقولته هذه . عندما اسلم أبو ذر كان ترتيبه فى المسلمين الخامس او السادس , و كان يحمل طبيعة فوارة جياشة , فلقد خلق ليتمرد على الباطل أنى يكون , و فور اسلامه توجه الى الرسول عليه الصلاة و السلام بهذا السؤال : يا رسول الله , بم تأمرنى ...؟,فأجابه الرسول : ترجع الى قومك حتى يبلغك أمرى .., فقال أبو ذر : و الذى نفسى بيده لا ارجع حتى أصرخ بالاسلام فى المسجد ..!!, و دخل المسجد الحرام و نادى بأعلى صوته " أشهد أن لا اله الا الله ..و أشهد أن محمدا رسول الله " , فاحاط به المشركون و ضربوه حتى صرعوه , و سمع العباس عم النبى بذلك فاراد ان يخلصه من ايديهم , فقال لهم " يا معشر قريش , انتم تجار و طريقكم على غفار , و هذا رجل من رجالهم , ان يحرض قومه عليكم , يقطعوا على قوافلكم الطريق " فتركوه , و عاد " أبو ذر "الى عشيرته و قومه و دعاهم الى الاسلام, و لم يكتفى بقبيلته فقط , بل انتقل الى قبيلة" اسلم", و تتابع الايام و يهاجر الرسول الى المدينه , و يأتى " ابو ذر" و معه قبيلة " غفار " و " اسلم" مسلمين , فيقول الرسول عليه الصلاة و السلام لقبيلة "غفار" : غفار غفر الله لها , و يقول لقبيلة " اسلم ":و أسلم سالمها الله ,اما " أبو ذر " فيقول رأيه فيه :" ما أقلت الغبراء , و لا أظلت الخضراء أصدق لهجة لهجة من أبى ذر" , لقد قرأ الرسول عليه الصلاة و السلام مستقبل صاحبه , و لخص حياته كلها فى هذه الكلمات , و ألقى الرسول عليه يوما هذا السؤال : يا أبا ذر , كيف أنت اذا أدركك امراء يستأثرون بالفىء ؟ فأجاب قائلا : اذا و الذى بعثك بالحق , لاضربن بسيفى , فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : أفلا أدلكم على خير من ذلك ...؟اصبر حتى تلقانى , و لسوف يحفظ " أبو ذر " وصية معلمه و رسوله .
و لقد مضى عهد الرسول , و من بعده عصر أبى بكر , و عصر عمر فى تفوق كامل على مغريات الحياة و دواعى الفتنة فيها , ثم وجد " أبو ذر " ان ألوية المجد الشخصى و الدنيا بزخرفها الياطل توشك أن تفتن الذين كل دورهم فى الحياه أن يرفعوا راية الله , فراح يمد يمينه الى سيفه كى يواجه المجتمع بسيفه , و لكن سرعان ما تذكر وصية رسوله و انه لا ينبغى ان يرفع السيف فى وجه مسلم " و ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ" , فليس دوره ان يقتل , بل يعترض , فان السيف ليس اداة التغيير بل الكلمة الصادقة العادلة , فان كلمة واحدة يقولها , لأمضى من ملء الأرض سيوفا , و خرج أبو ذر الى معاقل السلطة و الثروة , و جعل هتافه الذى يردده فى كل زمان و مكان .. و يردده الناس عنه كأنه نشيد .. هذه الكلمات :
" بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب و الفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم و جنوبهم يوم القيامة" , و لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة و رهبة ..هناك فى الشام حيث " معاوية بن ابى سفيان " يحكم أرضا من أكثر بلاد الاسلام خصوبة و خيرا و فيئا ..و انه ليعطى الاموال و يوزعها بغير حساب , فذهب الى هناك و و لم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه فى حماسة و شوق , فألقى أبو ذر نظرة على من حوله فوجد اكثرهم ذوى خصاصة و فقر , ثم نظر نحو المشارف القريبه فوجد القصور و الضياع , فيصرخ فيمن حوله قائلا : عجبت لمن لا يجد القوت فى بيته , كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه , ثم سرعان ما يذكر وصية رسول الله , فيترك لغة الحرب هذه و يعود الى لغة المنطق و الاقناع , فيعلم الناس أنهم سواسيه كأسنان المشط ...و أنه لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى ..و أن أمير القوم ووليهم ,هو أول من يجوع اذا جاعوا , و آخر من يشبع اذا شبعوا .., فلقد قرر أن يخلق بكلماته و شجاعته رأيا عاما فى كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة , و المناعة , و القوة ما يجعله شكيمة لأمرائه و أغنيائه , و ما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم , أو محتكرة للثروة..و فى احد المناظرات للخليفة " معاوية بن ابى سفيان " يقف بلا خوف يسأله عن ثرواته قبل أن يصبح حاكما , و عن ثروته اليوم .!! , عن البيت الذى كان يسكنه بمكة , و عن قصوره بالشام اليوم ..!!,ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابه الذين صحبوا معاوية الى الشام و صار لبعضهم ضياع و قصور , ثم يصيح فيهم جميعا : أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول و هو بين ظهرانيكم ..؟؟,و يتولى الاجابة عنهم : نعم ,أنتم الذين نزل فيكم القرآن ,و شهدتم مع الرسول المشاهد , ثم يعود و يسأل :أولا تجدون فى كتاب الله هذه الاية :
"و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ...يوم يحمى عليها فى نار جهنم , فتكوى بها جباههم , و جنوبهم , و ظهورهم , هذا ما كنزتم لانفسكم , فذوقوا ما كنتم تكنزون"
فيقول معاويه : " لقد أنزلت هذه الايه فى أهل الكتاب , فيصيح أبو ذر : لا ..بل أنزلت لنا و لهم , و اخذ يتابع ابو ذر الحديث ناصحا معاويه و من معه أن يخرجوا عن كل ما بأيديهم من ضياع و قصور و أموال ..و ألا يدخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه , فتتناقل المحافل و الجموع نبأ هذه المناظره و يتعالى نشيد أبى ذر فى البيوت و الطرقات : (بشر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامه ), و يستشعر معاويه الخطر فيكتب الى الخليفه "عثمان" رضى الله عنه يقول " ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام" , فيستدعى سيدنا عثمان أبى ذر الى المدينه , فيرجع ابى ذر فى يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة و الوداع , و عندما وصل الى المدينه عرض عليه سيدنا عثمان ان يبق بجانبه لما حدث فقال له : " ابق بجانبى , تغدو عليك اللقاح و تروح " , فأجابه أبو ذر : " لا حاجة لى فى دنياكم " , و طلب منه أن يأذن له بالخروج الى " الربذة " فأذن له . و فى يوما جاءه الى الربذة بعض المولعين بايقاد الفتنه من الكوفه يسألونه أن يرفع الثورة ضد الخليفة , فزجرهم بكلمات حاسمة :" و الله لو أن عثمان صلبنى على أطول خشبة , أو جبل , لسمعت و أطعت , و صبرت , و احتسبت , و رأيت ذلك خيرا لى ...و لو سيرنى سيرنى ما بين الأفق الى الأفق , لسمعت و أطعت , و صبرت , و احتسبت , و رأيت ذلك خير لى ... و لو ردنى الى منزلى , لسمعت و أطعت , و صبرت و احتسبت , و رأيت ذلك خيرا لى ", يا سبحان الله اهذا رد " ابو ذر " الذى وصل به الدرجة ان يلقاه " أبو موسى الأشعرى" يوما , فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه مرحبا به قائلا : مرحبا أبا ذر ..مرحبا أخى , فيقول له " أبا ذر" : " لست بأخيك , انما كنت اخاك قبل أن تكون واليا و أميرا " , و عندما لقيه " أبو هريره " يوما و احتضنه , نحاه " أبا ذر " عنه بيده و قال له : اليك عنى ..ألست الذى وليت الامارة , فتطاولت فى البنيان , و اتخذت لك ماشية و زرعا , فمضى أبو هريره يدافع عن نفسه و يبرئها من تلك الشائعات , قد يكون " أبا ذر " مبالغا فى موقفه هذا و لكن ماذا نتوقع غير هذا الرد من رجل تفرغ للمعارضه الامينه و تبتل , فلم يتفرغ لها لسلطة او ثروة , فعاش ما استطاع حاملا لواء القدوه العظمى للرسول عليه السلام و صاحبيه , امينا عليها , حارسا لها .. و كان استاذا فى فن التفوق على مغريات الامارة , فلقد عرضت عليه امارة بالعراق فقال :"لا والله ...لن تميلوا على بدنياكم أبدا" , , فهكذا عاش ابو ذر , نجده يقول لصاحبه :" ألست ترى على هذه البرده و لى اخرى لصلاة الجمعة و لى عنزة احلبها و أتان أركبها , فأى نعمة أفضل مما نحن فيه ...؟؟ , نجده يجلس يوما يحدث و يقول : " اوصانى خليلى بسبع ...أمرنى بحب المساكين , و الدنو منهم ..,وأمرنى أن أنظر الى من هو دونى , و لا أنظر الى من هو فوقى ...,و أمرنى ألا أسأل أحدا شيئا..., و أمرنى أن أصل الرحم ...,و أمرنى أن أقول الحق و ان كان مرا...,و أمرنى ألا أخاف فى الله لومة لائم ...,و أمرنى أن أكثر من : لا حول و لا قوة الا بالله , فهكذا عاش " ابو ذر" فى ظل هذه الوصية و صاغ حياته وفقها , و ان كانت كل وصيه من هذه الوصايا تحتاج الى تفصيل كثير لا يسع المجال لها الان ,و جاءت لحظة وفاته , فتبكى ارمرأته , فيسألها : فيم البكاء؟ , فتقول : " لانك تموت , و ليس عندى ثوب يسعك كفنا " , فيبتسم و يقول لها : " اطمئنى ...لا تبكى , فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم و أنا عنده فى نفر من أصحابه يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض , تشهده عصابة من المؤمنين ...و كل من كان معى فى ذلك المجلس مات فى جماعة و قرية , و لم يبق غيرى ...و هأنذا بالفلاة أموت , فراقبى الطريق ...فستطلع علينا عصابة من المؤمنين , فانى والله ما كذبت ولا كذبت " و فاضت روحه الى الله , و بالفعل قد صدق , فهذه قافلة تؤلف جماعة من المؤمنين , و على رأسهم " عبد الله بن مسعود " صاحب رسول الله , فيقترب ليبصر المشهد و يلوى زمام دابته و الركب نحو المشهد , فتقع عينه على " أبى ذر " صاحبه و اخيه فى الاسلام , فتفيض عيناه بالدمع و يقف على جثمانه الطاهر يقول :
"صدق رسول الله ...تمشى وحدك, و تموت وحدك , و تبعث وحدك ", هكذا قال الرسول عليه السلام عندما كانوا فى غزوة تبوك , نظر الصحابة وراءهم فلم يجدو " أبا ذر" فظنوا انه تخلف ,و لكن فى الحقيقه بعيره تعبت فنزل من على ظهرها و اخذ متاعه و حمله على ظهره و مضى ماشيا على قدميه , فعندما وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا , اذا بهم يرون سحابه من الغبار تخفى وراءها شبح رجل , فعلم بذلك الرسول عليه السلام فقال :"كن أبا ذر", و بالفعل كان هو " أبا ذر"و سار نحو الرسول , و لم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى ابتسم ابتسامه حانيه و قال :" يرحم الله أبا ذر...يمشى وحده ..و يموت وحده...و يبعث وحده ...", و بعد مضى عشرين عاما على هذا اليوم أو يزيد , مات أبو ذر وحيدا , فى فلاة الربذة ...بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه ... و لسوف يبعث عند الله وحيدا , لان زحام فضائله المتعدده , لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه . هذه هى قصة أبا ذر , ارجو ان تكون هى خير وسيلة لما اريد ان اوصله من معان